مع المنافسة الشرسة في عالم الذكاء الاصطناعي، اتخذت آبل خطوة غير تقليدية عبر استخدام جيميني لتطوير سيري، لتدلل على أن المستقبل يصنع من خلال الشراكات الجرئية والابتكار المستمر.بهذا التحول، لا تكتفي الشركة بإعادة بناء مساعدها الصوتي، بل تضع بصمتها في مجال المساعدات الرقمية، لتمنح للمستخدمين تجربة تفاعلية متطورة في الأداء وفهم احتياجات الإنسان الحقيقي.سيري: رحلة آبل في تطوير الذكاء الاصطناعيأطلقت آبل مساعدها الصوتي سيري في 4 أكتوبر 2011 مع جهاز iPhone 4S، ليشكل نقطة تحول في عالم المساعدات الصوتية. ومنذ ذلك الحين، واصلت الاستثمار في تطوير سيري لكن المنافسة الشديدة مع مساعد جوجل وأليكسا، أظهرت فجوات واضحة في قدرات سيري، خاصة فيما يتعلق بمهام البحث المعقدة والترجمة متعددة اللغات.مع صعود نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي المتقدمة مثل ChatGPT من OpenAI وجيميني من جوجل، أدركت آبل أن الاعتماد الكامل على نماذجها الداخلية قد لا يمكنها من تحقيق القفزة النوعية المطلوبة في أداء سيري، والذي دفعها للبحث عن شراكات إستراتيجية قوية في مجال الذكاء الاصطناعي.استخدام جيميني لتطوير سيري: لماذا اختارت آبل نموذج جوجل المتقدم؟عند بحث آبل عن حلول تكنولوجية ترتقي بمساعدها الصوتي إلى مستوى جديد، وجدت ضالتها في نموذج جيميني من جوجل، وهو نموذج ذكاء اصطناعي متقدم يبلغ حجمه 1.2 تريليون باراميتر، متفوقًا بشكل ملحوظ على نماذجها التقليدية التي لا تتجاوز 150 مليار باراميتر للنسخة السحابية و3 مليارات باراميتر للنسخة المحلية. وشملت تقييماتها نماذج من شركات مثل OpenAI وAnthropic، لكن أداء جيميني في معالجة اللغة الطبيعية، فهم السياق، التلخيص، والترجمة كان فائقًا؛ بجانب قابلية تخصيصه للعمل الحصري على خوادم آبل السحابية لضمان حماية بيانات المستخدمين. لذلك جاء القرار الإستراتيجي باستخدام جيميني لتطوير سيري، ليس فقط لتحسين أداء المساعد في تلخيص المعلومات والتخطيط، بل لضمان خصوصية المستخدم الكاملة، وتعزيز وظائف الذكاء الاصطناعي في الأجهزة الذكية دون تعريض البيانات لأي جهة خارجية.ما تفاصيل الاتفاق بين آبل وجيميني؟وافقت الشركة على دفع مليار دولار سنويًا لجوجل لقاء الوصول إلى نسخة مخصصة من نموذج جيميني، ويعد المبلغ جزءًا صغيرًا مقارنة بما تدفعه جوجل لآبل مقابل جعل محرك بحث جوجل المحرك الافتراضي على أجهزتها.لن يلاحظ المستخدم العادي أي أثر مباشر لجوجل في سيري بعد الاتفاق؛ سيظل يظهر كمساعد صوتي تابع لآبل تمامًا، دون أي إشارة لدور جوجل. وتضمن المعايير التقنية في الاتفاق أن يتم تشغيل جيميني على خوادم آبل السحابية الخاصة فقط، بعيدًا عن أي خوادم تابعة لجوجل، والذي يعني أن بيانات المستخدم ستظل دائمًا داخل البيئة الآمنة لآبل.كما أن استخدام جيميني لتطوير سيري سيكون محصورًا في بعض الوظائف الرئيسية؛ تحديدًا في مهام تلخيص المعلومات وتخطيط تنفيذ المهام المعقدة، أما بقية ميزات سيري فستظل تعتمد على نماذج الذكاء الاصطناعي الداخلية التي تطورها بنفسها.كيف سيحسن جيميني من أداء سيري؟مع دمج جيميني في منظومة سيري، من المتوقع أن يحقق سيري تحسنًا ملحوظاً في عدة جوانب:فهم الاستفسارات المعقدة: سيكون بإمكان سيري فهم الأسئلة والطلبات المركبة بشكل أفضل وتقديم استجابات منطقية وسلسة.التلخيص والمعالجة: يستطيع سيري الآن تلخيص المقالات والرسائل والوثائق الطويلة بكفاءة أعلى.الترجمة المتقدمة: تحسن واضح في دقة وطبيعية الترجمات النصية والصوتية.إدارة المهام المعقدة: سيكون بإمكان سيري التعامل مع مهام معقدة مثل جدولة الاجتماعات ومعالجة رسائل البريد الإلكتروني وتخطيط السفر بناءً على تعليمات المستخدم.التفاعل الذكي: قدرة أفضل على التعامل مع صيغ لغوية غير تقليدية والغموض النسبي في الأسئلة.التكامل مع التطبيقات: مزيد من التكامل الذكي مع تطبيقات آبل المختلفة وتقديم اقتراحات مخصصة.الخصوصية والأمان: محور رئيسي في اتفاقية آبل وجوجلكما أولت الشركة أهمية خاصة لقضايا الخصوصية والأمان في اتفاقيتها مع جوجل، تم تطوير نسخة مخصصة من جيميني، لتعمل حصرًا ضمن خوادم آبل السحابية، لضمان عدم وصول جوجل أو أي جهة خارجية أخرى إلى أي بيانات شخصية للمستخدمين، وسيتم تطبيق بروتوكولات تشفير قوية لحماية البيانات من أي اختراق محتمل. سيري ستتعلم من البيانات المحلية على جهاز المستخدم دون مشاركة التفاصيل مع أي طرف خارجي، لزيادة ثقة المستخدمين بـ منتجات آبل، خاصة في الأسواق التي تشهد اهتمامًا متزايدًا بقضايا الخصوصية والبيانات الشخصية.المنافسة مع المساعدات الصوتية الأخرىمع استخدام جيميني لتطوير سيري، يتوقع أن يحقق تحسنًا في القدرات مقارنة بمساعدات صوتية منافسة، حيث يتوقع أن تشمل الطفرة النوعية سرعة في تنفيذ المهام وعمقًا أكبر في تحليل الاستفسارات.يمكن لجيميني أن يوسع قدرات سيري في مجالات متخصصة مثل الصحة والتعليم والتسوق الإلكتروني والبحث العلمي، بما يلبي احتياجات مستخدمي منصات آبل المتنوعة.توقيت الإطلاقمن المتوقع أن يتم إطلاق نسخة سيري الجديدة المدعومة بجيميني في ربيع 2026، وفقاً لتقارير بلومبرج، ويعطي التوقيت فرصة للشركة لإتمام التطوير والاختبار الشامل قبل طرح المنتج في السوق.تحديات وفرص مستقبلية لاتفاق آبل وجوجلتواجه آبل مجموعة من التحديات مع هذه الشراكة الطموحة، وهي كالآتي:الاستدامة المالية: الالتزام بدفع مليار دولار سنويًا لجوجل يتطلب التأكد دومًا أن العائد الذي تحققه الشركة من استخدام جيميني لتطوير سيري يوازي أو يفوق هذا الاستثمار الضخم.التطوير المستقل: رغم الاتفاق مع جوجل، لم تتخل عن طموحها في تطوير نموذج ذكاء اصطناعي مستقل خاص بها، وما زالت الشركة تعمل على نموذج سحابي خاص يُتوقع أن يكون جاهزًا للتطبيقات الاستهلاكية قريبًا، ليكون التعاون مع جوجل خطوة انتقالية وليست نهائية.التوسع اللغوي والجغرافي: نجاح سيري يعتمد على مدى توافق النموذج مع جميع أجهزة آبل القديمة والجديدة، بالإضافة لتقوية دعم اللغات واللهجات المختلفة، بما يشمل اللغة العربية.توزيع المزايا عالميًا: من التحديات أيضًا تحقيق نفس مستوى الجودة والتجربة العالية للمستخدمين في كل الأسواق حول العالم دون تأخير.استخدام جيميني لتطوير سيري يمنح آبل قوة جديدة في عالم المساعدات الصوتية، ويؤسس لجيل أكثر ذكاءً وأمانًا من الخدمات الذكية، رغم تحديات التكامل والاستثمار، ليحجز لآبل موقعًا كقائد في ابتكارات الذكاء الاصطناعي العالمي.